فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي المسند والترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله يبيت الليالى المتتابعات طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح وفى الترمذى من حديث أبى أمامة ما كان يفضل أهل بيت رسول الله خبز الشعير وفى المسند عن عائشة رضى الله عنها والذى بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله عز وجل إلى أن قبض قال عروة فقلت فكيف كنتم تأكلون الشعير قالت كنا نقول أف أي ننفخه فيطير ما طار ونعجن الباقى، وفى صحيح البخارى عن أنس قال لقد رهن رسول الله درعه بشعير ولقد سمعته يقول ما أصبح لآل محمد صاع ولا أمسى وانهم لتسعة ابيات، وفى مسند الحارث عن أبى أسامة عن أنس أن فاطمة رضى الله عنها جاءت بكسرة خبز إلى النبي فقال ما هذه الكسرة يا فاطمة قالت قرص خبزته فلم تطب نفسى حتى أتيتك بهذه الكسرة فقال أما إنه أول طعام دخل في فم أبيك منذ ثلاثة أيام وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن ابيه عن جابر رضي الله عنه قال لما حفر رسول الله الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي على بطنه حجرا من الجوع.
وقد أسرف أبو حاتم بن حبان في تقاسيمه في رد هذا الحديث وبالغ في إنكاره وقال المصطفى أكرم على ربه من ذلك وهذا من وهمه وليس في هذا ما ينقص مرتبته عند ربه بل ذلك رفعة له وزيادة في كرامته وعبرة لمن بعده من الخلفاء والملوك وغيرهم وكأن أبا حاتم لم يتأمل سائر الاحاديث في معيشة النبي وهل ذلك إلا من أعظم شواهد صدقه فإنه لو كان كما يقول أعداؤه وأعداء ربه أنه ملك طالب ملك ودنيا لكان عيشه عيش الملوك وسيرته سيرتهم ولقد توفاه الله وان درعه مرهونة عند يهودى على طعام أخذه لأهله وقد فتح الله عليه بلاد العرب وجبيت اليه الاموال ومات ولم يترك درهما واحدًا ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا عبدا ولا أمة.
قال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد بن مطرف عن أبى حازم عن عروة أنه سمع عائشة تقول كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله نار قلت يا خالة فعلى أي شئ كنتم تعيشون قالت على الأسودين التمر والماء وقد تقدم حديث أبى هريرة في قصة أبى الهيثم ابن النبهان وانه خرج رسول الله من بيته فرأى أبا بكر وعمر رضى الله عنهما فقال ما أخرجكما قالا الجوع قال وأنا والذى نفسى بيده لأخرجنى الذي أخرجكما وذكر أحمد من حديث مسروق قال دخلت على عائشة فدعت لى بطعام وقالت ما أشبع من طعام فأشاء أن أبكى الا بكيت قال قلت لم قالت أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله الدنيا والله ما شبع في يوم مرتين من خبز البر حتى قبض وفيه عنها ما شبع رسول الله من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض والحديثان صحيحان وفيه ايضا عنها ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل وفى الصحيحين عن أبى هريرة ما شبع رسول الله وأهله ثلاثا أتباعا من خبز البر حتى فارق الدنيا.
وفى الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان النبي يبيت الليالى طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير وفيه أيضا عن أنس عنه لقد اخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أتت على ثلاثون من بين يوم وليلة ومالى ولبلال طعام يأكله ولبد إلا شئ يواريه إبط بلال والحديثان صحيحان وفيه ايضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن أبى طلحة رضي الله عنه قال شكونا إلى رسول الله الجوع ورفعنا عن بطوننا حجرا حجرا فرفع رسول الله عن بطنه حجرين وفيه أيضا عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال نام رسول الله على حصير فقام وقد اثر في جنبه فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال مالى وللدنيا ما أنا في الدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها حديث صحيح وفيه عن علي رضي الله عنه قال خرجت في يوم شات من بيت رسول الله وقد أخذت اهابا معطونا فجوبت وسطه وأدخلته في عنقى فشددت به وسطى فحزمته بخوص من النخل وانى لشديد الجوع ولو كان في بيت رسول الله طعام لطعمت منه فخرجت التمس شيئا فمررت بيهودى في مال له وهو يسقى ببكرة له فاطلعت عليه من ثلمة من الحائط فقال مالك يا أعرابى وهل لك في كل دلو بتمرة قلت نعم فافتتح الباب حتى أدخل ففتح فدخلت فأعطانى دلوه فكلما نزعت دلوا أعطانى تمرة حتى امتلأت كفى أرسلت دلوه وقلت حسبى فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت ثم جئت الماء فوجدت رسول الله فيه وقال سعد بن ابى وقاص رضي الله عنه لقد رأيتنا نغزو مع رسول الله ما لنا طعام الا الحبلة وهذا السمر والحبلة ثمر العضاة ذات الشوك وهو حديث صحيح.
وكان يصلى من الليل أحيانا وعليه كساء صوف بعضه عليه وبعضه على عائشة قال الحسن أثمان ستة دراهم أو سبعة وقال أحمد حدثنا أبو سعيد حدثنا أبو زائدة حدثنا عطاء عن أبيه عن علي قال جهز رسول الله فاطمة في خميل وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف والخميل الكساء الذي خمل قال وحدثنا بهز بن اسد حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد قال قال أبو بردة دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة فقالت قبض رسول الله في هذين الثوبين.
قالوا ولو كان الغنى مع الشكر افضل من الفقر مع الصبر لاختاره رسول الله إذ عرضت عليه الدنيا ولأمره ربه أن يسأله إياه كما أمره أن يسأله زيادة العلم ولم يكن رسول الله ليختار الا ما اختاره الله له ولم يكن الله ليختار له الا الافضل اذ كان افضل خلقه وأكملهم.
قالوا وقد أخبر النبي أن خير الرزق ما كان بقدر كفاية العبد فلا يعوزه ما يضره ولا يفضل عنه ما يطغيه ويلهيه.
قال الإمام أحمد حدثنا ابن مهدى حدثنا همام عن قتادة عن خليد العصرى عن أبى الدرداء قال قال رسول الله ما طلعت شمس قط الا بعث بجنبيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض الا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمس قط الا بعث بجنبيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض الا الثقلين اللهم أعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا.
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن ابن ابى لبيبة عن سعد بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله خير الرزق ما يكفى وخير الذكر الخفى.
وتأمل جمعه في هذا الحديث بين رزق القلب والبدن رزق الدنيا والآخرة واخباره أن خير الرزقين ما لم يتجاوز الحد فيكفى من الذكر اخفاؤه فإن زاد على الاخفاء خيف على صاحبه الرياء والتكبر به على الغافلين وكذلك رزق البدن إذا زاد على الكفاية خيف على صاحبه الطغيان والتكاثر.
قالوا وقد غبط رسول الله المتقلل من الدنيا ما لم يغبط به الغنى.
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا علي بن صالح عن أبى المهلب عن عبيد الله ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله ان أغبط أوليائى عندى مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وكان غامضا في الناس لا يشار اليه بالاصابع فعجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه قال عبد الله بن أحمد سألت أبى ما تراثه قال ميراثه قالوا وحمية الله لعبده المؤمن عن الدنيا انما هو من محبته له وكرامته قال الإمام أحمد حدثنا أبو سعيد حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبى عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله قال ان الله تبارك وتعالى يحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مرضاكم الطعام والشراب تخافون عليهم قالوا وقل أن يقع اعطاء الدنيا وتوسعتها الا استدراجا من الله لا اكراما ومحبة لمن أعطاه.
قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشد بن سعد عن حرملة بن عمران النجبى عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي قال إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا علي معاصيه وما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا قوله تعالى فلما نسو ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء الآية قالوا ولهوان الدنيا علي الله منعها أكثر أوليائه وأحبائه.
قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن سالم بن ابى الجعد قال قال رسول الله ان من أمتى لو أتى باب أحدكم فسأله دينارا لم يعطه اياه ولو سأله فلسا لم يعطه اياه ولو سأل الله تعالى الجنة لأعطاها اياه ولو سأله الدنيا لم يعطها اياه وما يمنعها اياه لهوانه عليه ذو طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره وهذا يدل على انه انما يمنعه اياها لهوانها عليه لا لهوانه هو عليه ولهذا يعطيه أفضل منها وأجل فإن الله تعالى يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطى الآخرة الا من يحب قالوا وقد اخبرهم النبي أن أقربهم منه مجلسا ذووا التقلل من الدنيا الذين لم يستكثروا منها قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هرون أخبرنا محمد بن عمرو قال سمعت عراك بن مالك يقول قال ابو ذر إنى لأقربكم مجلسا من رسول الله يوم القيامة وذلك إنى سمعته يقول ان أقربكم منى مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها وانه والله ما منكم من أحد الا وقد تشبث منها بشيء غيرى قالوا وقد غبط النبي من كان عيشه كفافا وأخبر بفلاحه قال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة قال أخبرنى أبو هانى أن أبا على الحبشى أخبره أنه سمع فضاله بن عبيد يقول أنه سمع رسول الله يقول طوبى لمن هدى إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع.
وذكر أيضا من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال قد أفلح من اسلم رزق كفافا وقنعه الله بما آتاه قالوا ولو لم يكن في التقلل الا خفة الحساب لكفى به فضلا على الغنى قال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا بيان بن الحكم حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنى بشر بن الحارث حدثنا عيسى بن يونس عن هشام عن الحسن قال قال رسول الله ثلاثة لا يحاسب بهن العبد ظل خص يستظل به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يوارى عورته.
وقال الإمام أحمد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا ليث عن أبى عثمان قال لما افتتح المسلمون جوجى دخلوا يمشون فيها وأكداس الطعام فيها أمثال الجبال وكان رجل يمشى إلى جنب سلمان فقال يا أبا عبد الله ألا ترى إلى ما فتح الله علينا ألا ترى إلى ما أعطانا الله فقال سلمان وما يعجبك مما ترى إلى جنب كل حبة مما ترى حساب.
قالوا وقد شهد النبي لأصحابه أنهم يوم فقرهم وفاقتهم خير منهم يوم غناهم وبسط الدنيا عليهم قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد أبو الاشهب عن الحسن قال قال نبى الله يا أهل الصفة كيف أنتم قالوا نحن بخير قال أنتم اليوم خير أم يوم تغدو على أحدكم جفنة وتروح أخرى ويغدو في حلة ويروح في أخرى وتسترون في بيوتكم مثل أستار الكعبة قالوا يا نبى الله نحن يومئذ خير يعطينا ربنا تبارك وتعالى فنشكر قال بل أنتم اليوم خير فهذا صريح في أنهم في وقت صبرهم على فقرهم خير منهم في وقت غناهم مع الشكر.
وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبن ذر حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبى هند عن أبى حرب بن أبى الاسود عن طلحة البصرى قال قدمت المدينة ولم يكن لى بها معرفة فكان يجرى علينا مد من تمر بين اثنين فصلى بنا رسول الله صلاة فهتف به هاتف من خلفه فقال يا رسول الله قد حرق بطوننا التمر وعرفت عنا الكنف فخطب فحمد الله وأثنى عليه وقال والله لو أجد لكم اللحم والخبز لأطعمتكموه وليأتين عليكم زمان تغدو على أحدكم الجفان وتراح ولتلبسن بيوتكم مثل أستار الكعبة قالوا يا رسول الله نحن اليوم خير منا أو يومئذ قال بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ أنتم اليوم خير منكم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض.
قال الإمام أحمد وحدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن نبى الله دخل على أهل الصفة فذكر نحوه قالوا ولو لم يكن في الغنى والمال الا أنه فتنة وقل من سلم من اصابتها له وتأثيرها في دينه كما قال تعالى انما أموالكم وأولادكم فتنة وفى الترمذى من حديث كعب ابن عياض قال سمعت رسول الله يقول ان لكل أمة فتنة وفتنة أمتى المال قال هذا حديث حسن صحيح قالوا والمال يدعو إلى النار والفقر يدعو إلى الجنة قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا أبو الاشهب حدثنا سعيد بن أيمن مولى كعب بن سور قال بينا رسول الله يحدث أصحابه اذ جاء رجل من الفُقراء فجلس إلى جنب رجل من الاغنياء فكأنه قبض من ثيابه عنه فقال رسول الله أخشيت يا فلان أن يغدو وغناك عليه أو يغدو فقره عليك قال يا رسول الله وشر الغنى قال نعم ان غناك يدعوك إلى النار وان فقره يدعوه إلى الجنة قال فما ينجينى منه قال تواسيه قال اذن افعل فقال الآخر لا أرب لى فيه قال فاستغفر وادع لأخيك.
قالوا وحق الغنى أعظم من أن يقوم العبد بشكره وقد روى الترمذى في جامعه من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي قال ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يوارى به عورته وجلف الخبز والماء.
قال هذا حديث حسن صحيح وفى صحيح مسلم عن أبى أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله يا ابن آدم انك ان تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى.
وفى صحيحه أيضا من حديث أبى نضرة عن أبى سعيد رضي الله عنه قال بينما نحن في سفر مع رسول الله اذ جاء رجل على راحلة له فجعل يضرب يمينا وشمالا فقال رسول الله من كان معه فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له قال فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في فضل.
قالوا فهذا موضع النظر في تفضيل الغنى الشاكر ببذل الفضل كله وأما غنى يمتع بأنواع الفضل ويشكر بالواجب وبعض المستحب فكيف يفضل على فقير صابرا راض عن الله في فقره قالوا وقد أقسم رسول الله لأصحابه وهم أئمة الشاكرين أنه لا يخاف عليهم الفقر وانما يخاف عليهم الغنى ففى الصحيحين من حديث عمرو بن عوف وكان شهد بدرا أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتى بجزيتها وكان رسول الله صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمى فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الانصار بقدوم أبى عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله فلما صلى رسول الله انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشئ من البحرين فقالوا أجل يا رسول الله قال أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكنى أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوا فيها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم. أهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة التكاثر:
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)}
قوله: {حتى زُرْتُمُ}: {حتى}: غايةٌ لقوله: {أَلْهاكم} وهو عطفٌ عليه.
{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)}
قوله: {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}: جعله الشيخُ جمالُ الدينُ بنُ مالك من التوكيدِ اللفظي مع توسُّط حرفِ العطفِ.
وقال الزمخشري: والتكريرُ تأكيدٌ للرَّدْعِ والردِّ عليهم، و{ثم} دالَّةٌ على أنَّ الإِنذارَ الثاني أبلغُ من الأولِ وأشدُّ، كما تقول للمنصوح: أقول لك ثم أقول لك لا تفعَلْ. انتهى.
ونُقِل عن علي كرَّمَ اللَّهُ وجهَه: «كلاَّ سوف تعلمون في الدنيا، ثم كلًا سوف تعلمون في الآخرة» فعلى هذا يكونُ غيرَ مكرَّرٍ لحصولِ التغايُرِ بينهما لأجل تغايُرِ المتعلقيْنِ. و{ثُمَّ} على بابها من المُهْلة. وحُذِفَ متعلق العِلْمِ في الأفعالِ الثلاثةِ لأنَّ الغَرَضَ الفِعْلُ لا متعلقه.
وقال الزمخشري: والمعنى: لو تعلمون الخطأَ فيما أنتم عليه إذا عانَيْتُمْ ما تَنْقَلبون إليه. فقَدَّر له مفعولًا واحدًا كأنه جَعَله بمعنى عَرَفَ.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)}
قوله: {لَوْ تَعْلَمُونَ} جوابُه محذوفٌ. أي: لَفَعَلْتُم ما لا يُوصف.
وقيل: التقديرُ: لرَجَعْتُمْ عن كُفْرِكم. وعلم اليقين: مصدرٌ. قيل: وأصلُه: العلمَ اليقينَ، فأُضِيِف الموصوفُ إلى صفتِه.
وقيل: لا حاجةَ إلى ذلك؛ لأنَّ العِلْمَ يكونُ يقينًا وغيرَ يقينٍ، فأُضِيفَ إليه إضافةُ العامِّ للخاصِّ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ اليقينَ أخصُّ.
وقرأ ابن عباس: {أأَلْهاكم} على استفهام التقريرِ والإِنكارِ. ونُقِل في هذا: المدُّ مع التسهيل، ونُقِلَ فيه تحقيقُ الهمزتَيْن من غيرِ مَدّ.
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)}
قوله: {لَتَرَوُنَّ} هذا جوابُ قَسَم مقدَّرٍ.
وقرأ ابن عامر والكسائي {لتُرَوْنَّ} مبنيًا للمفعول. وهو منقول مِنْ (رأى) الثلاثي إلى (أرى) فاكتسَبَ مفعولًا آخر فقام الأولُ مقامَ الفاعلِ. وبقي الثاني منصوبًا. والباقون مبنيًا للفاعلِ جعلوه غيرَ منقول، فتعدى لواحد فقط، فإنَّ الرؤيةَ بَصَريَّةِ. وأمير المؤمنين، وعاصم وابن كثير في روايةٍ عنهما بالفتح في الأولى والضمِّ في الثانية، يعني {لَتُرَوُنَّها} ومجاهد وابن أبي عبلة والأشهب بضمها فيهما. والعامَّةُ على أن الواوَيْن لا يُهْمزان؛ لأنَّ حركتَهما عارضةٌ، نَصَّ على عدمِ جوازِه مكيُّ وأبو البقاء، وعَلَّلا بعُروضِ الحركةِ.
وقرأ الحسن وأبو عمرو بخلافٍ عنهما بهمزِ الواوَيْن استثقالا لضمةِ الواوِ.
قال الزمخشري: وهي مستكرهَةٌ. يعني لِعُروض الحركةِ عليها إلاَّ أنَّهم قد هَمَزوا ما هو أَوْلى بعَدَمِ الهمزِ من هذه الواوِ نحو: {اشتروا الضلالة} [البقرة: 16]، هَمَزَ واوَ {اشتَروْا} بعضُهم، مع أنها حركةٌ عارضةٌ وتزولُ في الوَقْفِ، وحركةُ هذه الواوِ، وإنْ كانت عارضةً، إلاَّ أنها غيرُ زائلةٍ في الوقفِ فهي أولى بَهْمزِها.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)}
قوله: {عَيْنَ اليقين}: مصدرٌ مؤكِّدٌ. كأنه قيل: رؤيةَ العين، نفيًا لتوَهُّمِ المجازِ في الرؤيةِ الأولى.
وقال أبو البقاء: لأنَّ رأى وعايَنَ بمعنىً.
{وَالْعَصْرِ (1)}
قوله: {والعصر}: العامَّةُ على سكونِ الصادِ. وسلام {والعَصِرْ} و{الصَّبِرْ} بكسرِ الصادِ والباء.
قال ابنُ عطية: ولا يجوزُ إلاَّ في الوقفِ على نَقْلِ الحركةِ. ورُوِيَ عن أبي عمروٍ {بالصَّبِر} بكسرِ الباء إشمامًا. وهذا أيضًا لا يجوزُ إلاَّ في الوقفِ. انتهى.
ونَقَل هذه القراءة جماعةٌ كالهُذَليِّ وأبي الفضل الرازيِّ وابنِ خالويه.
قال الهُذَليُّ: والعَصِرْ والصَّبِرْ، والفجر، والوَتِرْ، بكسرِ ما قبل الساكنِ في هذه كلِّها هارونُ وابنُ موسى عن أبي عمروٍ والباقون بالإِسكانِ كالجماعةِ. انتهى.
فهذا إطْلاقٌ منه لهذه القراءة في حالتي الوقفِ والوصلِ.
وقال ابن خالويه: {والصَّبِرْ} بنَقْل الحركةِ عن أبي عمرو فأطْلَقَ ايضًا.
وقال أبو الفضل: (عيسى البصرة بالصَّبِرْ) بنَقْلِ حركةِ الراءِ إلى الباءِ يُحتاجَ إلى أَنْ يأتيَ ببعضِ الحركةِ في الوقفِ، ولا إلى أَنْ يُسَكَّنَ فيُجْمَعَ بين ساكنَيْن، وذلك لغةٌ شائعةٌ وليسَتْ بشاذةٍ، بل مُسْتفيضةٌ، وذلك دَلالةٌ على الإِعرابِ، وانفصالٌ من التقاءِ الساكنَيْن، وتأديةُ حقِّ الموقوفِ عليه من السكونِ. انتهى. فهذا يُؤْذِنُ بما ذَكَرَ ابنُ عطيةَ أنه كان ينبغي. وأنشدوا على ذلك:
...... واصْطِفاقًا بالرِّجِلْ

يريد بالرِّجْلِ.
وقال آخر:
أنا جريرٌ كُنْيتي أبو عَمِرْ ** أَضْرِبُ بالسَّيْفِ وسَعْدٌ في القَصِرْ

والنقلُ جائزٌ في الضمة أيضًا كقوله:
............. إذْ جَدَّ النُّقُرْ

والعَصْرُ: الليلةُ واليومُ قال:
ولن يَلْبَثَ العَصْرانِ يَوْمٌ وليلةٌ ** إذا طلبا أن يُدْرِكا ما تَيَمَّما

. اهـ.